بقامته القصيرة ووجهه المائل إلى الاستدارة ونظرته الهادئة، يتمشى في شوارع مدينة طنجة بهدوء شديد وبتواضع ملحوظ، وكأنه لم يكن يوما ما شاغلاً للدنيا والناس في مدينة طنجة، وفي المغرب كله.
يتوقف أحيانا عندما يسلم عليه البعض أو حتى يطلبون منه صورة، ممن يعرفونه وممن عاصروا أوجَ شهرته، بينما ينظر إليه جيل اليوم دون أن يعرف من هذا الرجل ولماذا قد يحظى بهذا الالتفاف.
صحيح أن أحمد بونقوب – الشهير بـ"حميدو الديب" - كان بارون مخدرات لا يشق له غبار في تسعينات القرن الماضي، لكن كرمه الحاتمي غطى تماماً على هذه الصفة وجعله في عيون البسطاء الذين لا يتردد في مساعدتهم "أسطورة" في الكرم الحاتمي.
اختار حميدو الديب، إذن، أن يعيش بمدينة طنجة، في الظل تماما، تاركاً للناس نسجَ الكثير من الأساطير حول حياته، والتي بالتأكيد كانت مليئة بالأسرار والإثارة، بعد أن كانت أنهار الأموال تجري من تحته فعلا لا مجازاً.
من يصدق أن هذا الرجل كان يوماً ما قادرا على إنجاز مشاريع ضخمة في مدينة طنجة كتأهيل رياض تطوان، بل وحتى بعض مرافق الدولة حينها؟كان حميدو الديب سلطان زمانه فعلا في شمال المملكة وكان يقرر في أشياء كثيرة، بل إن السواحل كلها كانت تحت سلطته ومراقبته، في زمن كانت الداخلية بين يدي رجل شرس آخر هو إدريس البصري.
البصري الذي انتابته موجة هلع بعد أن وصلته تقارير تنذر بغضبة ملكية بسبب أموال مشبوهة تهدد اقتصاد البلاد بالسكتة القلبية سنة 1996، ليفهمَ أن وقت التحرك قد آن ووقت التجاهل و"عين ميكة" انتهى.
تقول القصة أن 3 رجال طرقوا باب شقة حميدو الديب وقاموا بتفتيش شقته حينها قبل أن ينقلوه معهم إلى وجهة مجهولة، ليتم بعدها الحكم عليه بـ10 سنوات سجنا، مع الحجز على عدد كبير من أملاكه (يقدرها البعض بـ40 مليار سنتيم)، واضعين نقطة نهاية لمسار رجل كان اسمه يهز أركان تجار المخدرات في ذلك الحين.
قضى الديب 7 سنوات في السجن قبل أن يتم الإفراج عنه سنة 2003 بعفو ملكي، ليخرجَ رجلاً مختلفا، غيرَ الذي كان، وقد بدا كأنه زهد في الدنيا تماما ولم يعد يهمه أي شيء على الإطلاق.
في زمن كورونا، انتشرت شائعة بأن الرجل قد التحق بالرفيق الأعلى، قبل أن يتضح أن الأمر مجرد "كلام شوارع" لا أساس له من الصحة.
يقول مجاوروه أن حركة الرجل لا تتعدى بيته والمسجد المجاور له، والذي يحرص فيه على قراءة الحزب فيه بشكل دائم، وقد طغى الهدوء والحكمة على رجلٍ ربما أدركَ جيدا حقيقة الثراء والمجد والسلطة.